داخل عقل سيد المماطلة - تيم أوربان

عندما كنت في الجامعة .. كان تخصصي في العمل الحكومي ما يعني أن علي كتابة الكثير من الأوراق، الآن عندما يكتب أي طالب عادي ورقة يبدو جدول عمله هكذا تقريبا.. كما ترون..


يكون العمل في البداية بطيئاً ، لكنك تنجز خلال الأسبوع الأول بما يكفي لأن يجعلك ترى الأيام الثقيلة القادمة تبدو منتجة و لطيفة ..


و أنا أتمنى أن أفعل هذا بالشكل نفسه، هكذا ستكون الخطة.. سأبدأ بكتابة الجدول للشروع في العمل، ثم يأتي الوقت للكتابة .. و ينتهي بي الأمر هكذا !


و هذا يحدث في كل ورقة أكتبها ..


إلى أن طلب مني كتابة أطروحة التخرج من 90 صفحة ، ورقة من المفترض أن نعمل عليها طوال العام ! و لورقة كهذه ، جدول عملي المعتاد لم يكن خيارًا .. لأن المشروع كان ضخماً جداً بدأت التخطيط للمشروع ، و قررت أن الجدول يجب أن يشبه شيئاً كهذا .. هكذا ستمضي السنة .. سأبدأ بالعمل السهل و الخفيف ، ثم سأزيد الجهد قليلا في منتصف السنة ، و في نهاية العام سأعمل بأقصى جهد لدي .. سيكون سهلًا جداً كصعود السلم ، درجة درجة . كم يمكن أن يكون صعود الدرج صعبًا ؟ ليس بالأمر الكبير ، صحيح ؟


لكن حصل لي أطرف شيء .. في الشهور الأولى ، جاءت و مضت بسرعة، و لم أستطع تأدية أي شيء . فقررت أن أغير خطتي قليلا..


ثم ...  لكن في الحقيقة مضى منتصف العام بسرعة، و لم أكتب كلمة واحدة . فأصبحت الآن هنا ! تقلص الشهرين لشهر واحد .. ثم إلى أسبوعين .. و في أحد الأيام استيقظت ، و لم يبق إلا ثلاثة أيام على التسليم !! و لم أكتب أي كلمة حتى الآن ، ففعلت الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله ، كتبت 90 صفحة في 72 ساعة ، وواصلت يومين كاملين بدون نوم .. و لا يجب على البشر السهر يومين بدون نوم ، هرعت جريًا إلى الجامعة ، بالحركة البطيئة سلمت الورقة على الموعد المحدد بالضبط !


ظننت أنني أنجزت كل شيء . بعد أسبوع ، جائني اتصال ، كان اتصالًا من الجامعة . سألوا: "هل أنت تيم أوربن؟" فجاوبت: "نعم." قالوا: "يجب أن نتناقش معك بخصوص أطروحتك" .. قلت : "حسنًا." فقالوا .. "إنها أفضل أطروحة رأيناها في حياتنا" !


هذا لم يحصل في الحقيقة ، كانت أطروحة سيئة إلى أبعد الحدود ..


أردت فقط أن أستمتع باللحظة عندما ظننتم : "هذا الرجل مذهل"!


لا، لا، كانت سيئة جدا على كل حال ، اليوم أنا كاتب و مدون في الإنترنت .. أكتب في مدونة اسمها "انتظر لكن لماذا؟" قبل سنتين قررت أن أدون عن التسويف والتأجيل كانت تصرفاتي دائمًا تحيِّر غير المسوِّفين من حولي ولماذا أؤجل أعمالي فأردت أن أشرح لهؤلاء و للعالم ، ما يجري في رؤوس الذين يسوفون و يؤجلون أعمالهم ، و لماذا نحن هكذا . كانت لدي نظرية تقول أن عقول المسوِّفين حقيقةً تختلف عن الأشخاص الآخرين و لاختبار هذا ، وجدت مختبرًا سمح لي باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي لتصوير مخي ومخ رجل آخر لايؤجل أعماله لأستطيع المقارنة بينهما ، و أحضرت الصور معي لترونها اليوم بنفسكم ، أريدكم الآن أن تأخذوا نظرة فاحصة لتلاحظوا إن كان هناك اختلاف .. أنا أعلم أنه ليس كلكم خبراء ، و أنها ليست واضحة و لكن فقط انظروا ، حسنًا ؟ إذًا هنا صورة مخ الذي لا يؤجل ،


و الآن .. هنا صورة مخي .


هناك فرق . كلا العقلين يحتويان على (متخذ القرار العقلاني) لكن عقل المسوِّف يحتوي أيضًا على (قرد المتعة الفورية) الآن ، ماذا يعني هذا للمسوف ؟ يعني أن كل شيء بخير حتى يحدث هذا ..


الرجل: "هذا هو الوقت المثالي لإنجاز العمل" القرد : "لا!"


إذا سيقوم (متخذ القرار المنطقي) بالقيام بشيء مفيد و منتج . لكن القرد لا تعجبه الخطة، فيأخذ القرد العجلة و يقول : لماذا لا نقرأ صفحة ويكيبيديا كاملة عن فضيحة نانسي و تونيا (ممثلات)لأنني تذكرت للتو أن هذا حصل !


ثم .. ثم سنذهب إلى الثلاجة لنرى إذا تغير أي شيء فيها منذ 10 دقائق .. بعد ذلك ، سندخل دوامة اليوتيوب التي تبدأ بفيديوهات عن ريتشارد فاينمان (عالم) يتحدث عن المغناطيس و تنتهي بعد فترة طويلة جدًا بمشاهدة مقابلات مع أم جاستن بيبر (مغني) ..


القرد: "كل هذا سيأخذ وقت ، و لا توجد مساحة لعمل أي شيء اليوم . "آسف!"


الآن ، ما الذي يجري هنا ! هذا القرد لا يبدو كشخص تريده قائدًا خلف الدفة . هو يعيش كليًا في اللحظة الراهنة ، لا يوجد لديه ذاكرة للماضي و لا أدنى معرفة بالمستقبل .. هو يهتم بشيئين فقط : "سهل و ممتع"


في عالم الحيوان ، هذا يجري بشكل مثالي . إذا كنت كلبا ، ولم تفعل أي شي سوى السهل و الممتع ، فأنت ناجح بكل المقاييس !


وللقرود ، البشر هم فقط نوع آخر من الحيوانات . يأكلون ، ينامون و يتكاثرون .. الأمر الذي سيكون طبيعيًّا في الأزمان البدائية . لكن، إن لم تلاحظ، نحن لسنا في تلك الأزمان نحن في زمن متطور و حضاري و القرد لا يعرف معنى ذلك . و لهذا السبب يوجد في رأسنا (متخذ القرار المنطقي) ، الذي يعطينا قدرات لا يستطيع أي حيوان آخر القيام بها ، نستطيع تخيل المستقبل ، نستطيع رؤية الصورة الكاملة و نستطيع القيام بخطط طويلة المدى .. فيأخذ متخذ القرار كل هذا في الحسبان ، ويريدنا أن نفعل فقط ما يبدو صحيحًا ومنطقياً فعله الآن .. وفي بعض الأحيان يبدو فعل شيء ما منطقيًا و ممتعا في نفس الوقت ، كحضور عشاء أو الذهاب للنوم ، أو الاستمتاع في أوقت الفراغ . لهذا يوجد تداخل بين المنطقي و الممتع .. بعض الأحيان يتوافقوا ، و في أوقات أخرى ، يبدو منطقيًا أكثر أن تعمل في شيء صعب و غير ممتع من أجل المنفعة الكبرى . و هنا يحصل التعارض . و بالنسبة للمسوِّف ، هذا التعارض ينتهي دائمًا بالطريقة نفسها ، مما يجعله يقضي معظم وقته في المنطقة البرتقالية ، منطقة ممتعة و سهلة و منفصلة كليا عن دائرة المنطق . أسميها (حديقة الألعاب المظلمة) .


الآن ، (حديقة الألعاب المظلمة) مكان تعرفونه كلكم أيها المسوِّفون جيدًا . مكان تحدث فيه نشاطات أوقات الفراغ في وقت ليس وقت فراغ فعليًا . المرح الذي تحظى به في (حديقة الألعاب المظلمة) ليس مرحًا حقيقياً ، لأنه غير مستحق نهائيًا و الجو من حولك يمتلئ بالذنب، التعاسة، القلق وكره النفس كل مشاعر المسوِّفين الجميلة .. و السؤال عندما يكون القرد خلف العجلة هو : كيف ينقل المسوِّف نفسه إلى المنطقة الزرقاء ، منطقة تحدث فيها أشياء أقل مرح و سهولة لكنها أهم بكثير ..


حسنًا ، تبين أن الذي يؤجل أعماله لديه مَلَكْ حارس ، شخص يراقبه دائمًا و ينظر إليه في أظلم و أحلك لحظاته .. شخص يسمى (وحش الفزع)


الآن (وحش الفزع) نائم معظم الأوقات .. لكنه يستيقظ فجأة ، عندما يقترب أي موعد نهائي جدًّا أو أن يكون هناك خطر من الإحراج أمام الناس أو خسارة الوظيفة ، أو أي عاقبة مخيفة .. و أهم شيء أنه الشيء الوحيد الذي يخيف القرد . الآن ، هذا الوحش أصبح متصلًا بحياتي في الفترة الأخيرة ، لأن مسؤولي مؤتمر TED تواصلوا معي قبل ستة أشهر و دعوني للتكلم فيه .


بالطبع قلت : نعم، كان حلمي دائمًا أن أتكلم في مؤتمر TED في الماضي


 و في وسط كل هذه الحماسة ، كان متخذ القرار يفكر بشيء آخر . كان يقول: "هل نحن واضحون بشأن ما وافقنا عليه قبل قليل ؟ هل نحن نعلم ما سيحصل في يوم ما في المستقبل ؟ يجب أن نجلس و نجهز الخطاب حالًا" قال القرد: أتفق معك بالكامل لكن ما رأيك أن نفتح خرائط قوقل ، و نقرب الصورة على قاع الهند و نستكشفها لمدة ساعتان ونصف إلى أن نصل لأعلى الهند ، لكي نثقف نفسنا عن هذه البلد" .


فهذا ما فعلناه ذاك اليوم .


تحولت 6 شهور إلى 4 ثم إلى 2 ثم إلى شهر واحد.. قرر مؤتمر TED إعلان المتحدثين في المؤتمر ، و عندما فتحت الموقع ، وجدت صورة وجهي تحدق في وجهي . و خمنوا من استيقظ ؟


بدأ (وحش الفزع) يفقد عقله .. و في ثوان قليلة ، تحول النظام إلى فوضى .


و قام القرد - تذكروا، القرد يخاف من وحش الفزع - و صعد جريا إلى الشجرة! و أخيرًا، استطاع (متخذ القرار المنطقي) استلام الدفة و استطعت بدء العمل على المحاضرة


الآن (وحش الفزع) يمثل كل أنواع التصرفات المجنونة عند المسوِّفين ، مثل كيف استطعت أنا أن أمضي أسبوعين كل أنواع التصرفات على كتابة جملة واحدة في أطروحتي ، ثم بإعجاز ، تأتي الكلمات بشكل متواصل في يومين لأكتب 8 صفحات !. هذه الحالة بكاملها مع الثلاث شخصيات ، هذا هو نظام المسوِّف . ليس جميلا ، لكنه في النهاية ، يعمل . و هذا ما قررت كتابته على المدونة قبل سنتين


و عندما كتبت، ذُهلت بالردود ، آلاف الرسائل وصلتني ، من كل أنواع الناس ، من شتى أنحاء العالم ، يعملون كل أنواع الوظائف . كان منهم ممرضين، مصرفيين، رسامين، مهندسين و الكثير الكثير من طلاب الدكتوراه ،


و كلهم قالوا يكتبون قائلين نفس الشيء : "لدي نفس المشكلة" . الذي أدهشني كان التناقض بين خفة الكلام الذي كتبته و ثقل هذه الرسائل ، هؤلاء الناس كانوا يكتبون بإحباط شديد عن ماذا فعل لهم التسويف في حياتهم ، عن ماذا فعل هذا القرد لهم . و عندما فكرت بالأمر قلت لنفسي : لو كان نظام التسويف يعمل ، فماذا الذي يحصل ؟ لم هؤلاء الأشخاص محبطين بشدة ؟


تبين أنه هنالك نوعان من التسويف ، كل شيء تحدثت عنه اليوم ، جميع الأمثلة ، كلها لها موعد نهائي . و عندما يكون هناك مواعيد نهائية ، ، تأثير التأجيل يُحتوى و يُضغط على المدى القصير لأن (وحش الفزع) يتدخل .. لكن هناك نوع آخر من التأجيل ، نوع يحدث في ظروف ليس لها موعد نهائي . مثلًا، إذا كنت تريد أن تبدأ عملًا حرًّا ، شيئًا في الفن ، أو عملًا رياديًّا .. هذه الأعمال ليس لها مواعيد نهائية في البداية ، لأن لا شيء حدث من الأصل . بينما لو خرجت و بدأت بالعمل الصعب لتكتسب بعض النشاط للقيام بالأعمال الأخرى . هناك أيضًا الكثير من الأعمال المهمة خارج نطاق عملك و لا تتضمن مواعيد نهائية .. مثل زيارة أهلك أو الرياضة و الاهتمام بصحتك ، العمل لتطوير علاقاتك ، أو قطع علاقات سيئة ..


الآن ، لو كانت طريقة المسوِّف الوحيدة لإنهاء هذه الأشياء الصعبة هي عن طريق (وحش الفزع) ، هناك مشكلة ، لأن في كل هذه الأعمال المهمة التي لا تحتوي على مواعيد نهائية الوحش لن يظهر . لا يوجد له موعد يستيقظ من أجله . إذاً ، تأثير التأجيل لن يُحتوى و بالتالي ، هذه الأعمال ستستمر و تمتد للأبد .. و هذا هو نوع التسويف طويل المدى الذي لايُرى ولا يٌتَكَلم كثيرًا عنه مثل النوع الأول : المرح ، قصير المدى و المحتوي على مواعيد نهائية. و بالعادة يعاني الناس من النوع الثاني بهدوء و خصوصية .. و هذا التسويف قد يكون مصدرًا كبيرًا لحزن و ندم طويل المدى . ففكرت : لهذا هؤلاء الناس يراسلونني ، و لهذا هم في حالة سيئة كهذه . ليس لأنهم يهدفون لمشروع معين ، بل بسبب ذاك التأجيل طويل المدى الذي جعلهم كالمتفرجين ، أحيانًا ، على حياتهم نفسها .. إحباطهم لا يأتي من عدم تحقيق أحلامهم ، بل لأنهم لم يستطيعوا السعي لها من الأساس .


فبينما قرأت الرسائل أتاني نوع من الإلهام : أني لا أظن أن هنالك أحدًا لا يُؤجل أعماله ، هذا صحيح ، أعتقد أنكم كلكم مسوِّفون ، بالطبع ، قد لا تكونوا فوضويين .. مثل بعضنا .


و بعضكم قد يكون على علاقة جيدة مع المواعيد و الالتزام بها . لكن تذكروا : خدعة القرد السرية هي عندما لا يكون هناك موعد نهائي.


الآن ، أريد أن أريكم شيئًا أخيرًا .. أسمي هذا : (جدول الحياة) كل مربع يمثل أسبوعًا في حياة 90 سنة ، لا يبدو أن هناك الكثير منها .. خصوصًا أننا استخدمنا الكثير منها في السابق أظن أننا جميعًا نحتاج أن نأخذ نظرة عميقة على هذا الجدول . و يجب علينا التفكير عن ما نؤجله حقيقةً ، لأن كل واحدٍ منَّا لديه شيء يؤجله في حياته يجب أن نبقى حذرين من قرد المتعة الفورية ، هذه وظيفة لنا كلنا . و لأنه لا يوجد ذاك العدد الكثير من الصناديق في الجدول ، فهذه وظيفة يجب عليك أن تبدأها من اليوم .


امممم ، ربما ليس " اليوم " لكن ..


كما تعلمون ، في وقت ما قريب ...


شكرًا .


Ali Sumait, Translator

Ahmad Abdelwahb Altamimi , Reviewer

تعليقات

الأكثر قراءة

هل المدارس تقتل الإبداع؟ سير كين روبينسون‎‎

كيف يلهم القادة العظماء الناس للعمل - سيمون سينك

ما الذي يجعل الحياة جيدة؟ دروس من أطول دراسة عن السعادة - روبرت والدينجر

التفشي المرضي القادم؟ نحن غير جاهزين - بيل جيتس